الليل والنهار في القرآن الكريم *

الليل والنهار في القرآن الكريم *
يتصور بعض الناس أن كلمتي الليل والنهار يجب أن تكونا متناظرتين في القرآن الكريم ، لأن كلمة الليل - حسب تصور هؤلاء - تقابل تماما كلمة النهار . إنّ مثل هذه التصورات ، تنبع من مخيلات محدودة بإطار العلم والحضارة الذي وصل إليه جيل من الأجيال ، وتنبع من مفاهيم معينة سجينة التصور الفلكي الذي يملكه هذا الجيل بالنسبة لهذه المسألة الكونية .
إنّ من يريد فهم أسرار مجموع الكلمات القرآنية التي تخص هذه المسألة الفلكية ، عليه أولا إدراك هذه المسألة الفلكية ، وفهم الصور التي ترسمها هذه الكلمات في القرآن الكريم ، فيجدها مطابقة وبشكل مطلق للحقائق الكونية التي تحيط بهذه المسألة .
إنّ كلمة الليل ترمز للظلام ، وكلمة النهار ترمز للضياء ، ومن هنا قالوا ليل أليل أي شديد الظلمة .
( . . . كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً . . . ) (يونس 10)
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً . . . ) (يونس 67)
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً . . . ) (الإسراء 12)
(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} (النازعات)
فكلمة ليلها في الآية الأخيرة ، تعود إلى السماء ، وأغطش ليلها أي جعله مظلما ، فالغطش والغبش يعني الظلمة .
إنّ الفراغ الكوني الذي يحيط بالكرة الأرضية ، والأجرام السماوية ، والأجسام التي تسبح فيه ، أسود اللون ، ولا نستطيع أن نرى في هذا الفراغ من تلك الأجسام التي تسبح فيه ، سوى الجانب الذي يعكس الضوء باتجاهنا . وإذا وُضع في هذا الفراغ جسم مادي ، فإن هذا الفراغ يتحلل على هذا الجسم إلى عنصريه الأساسيين :
- عنصر مشع ويكون على جانب الجسم المواجه للشمس .
- عصر مظلم ويكون على الجانب الآخر لهذا الجسم .
ورؤيتنا لهذا الجسم ترتبط برؤيتنا للجانب المشع منه ، لذلك إذا وقع هذا الجسم بيننا وبين الشمس على خط مستقيم فإننا لا نرى منه شيئاً ، لأنّ الجانب المظلم يكون باتجاهنا ، ونحن ضمن فراغ مظلم ، وبالتالي لا نرى شيئا . وخير مثال على ذلك هو القمر في آخر الشهر ، حينما يكون الجانب المشع منه في الجهة الأخرى بالنسبة لنا .
صحيح أنّ الجانب المظلم للجسم السابح في الفراغ الكوني أسود اللون ، وقريب من لون الفراغ الكوني ، ولكنه لا يحوي على العنصر المضيء الذي يحويه الفراغ الكوني . فلو وضعنا في مجاله أي جسم مادي ، فإنه لا يعكس أي ضوء ، ولا يكون له جانب مضيء كما هو الحال في الفراغ الكوني ،لأنّ عنصر الضوء سحب منه وتركز على الوجه المضيء ، أما الفراغ الكوني رغم أنه مظلم فإنّ وجود أي جسم مادي ضمنه ، نراه يتحلل هذا الجسم إلى عنصريه الأساسيين :
( أ ) : النهار وهو العنصر المرئي الذي يضيء الجانب المواجه للشمس من هذا الجسم .
(ب) : الظلام ، وهو العنصر غير المرئي الذي يحيط بالجانب الآخر لهذا الجسم .
إن هذا الفراغ الكوني المظلم ، يُطلق عليه اسم الليل ، لأنه قبل تحليله إلى عنصريه الأساسيين يكونُ مظلما . لذلك نرى أن كلمة الليل أحيانا في القرآن الكريم ، تُستعمل للتعبير عن الزمن كله ، أي أنها تأتي بمعنى اليوم الكامل (ويعود ذلك للزاوية التي يُنظر من خلالها إلى كلمة الليل ، إمّا من منظار كوني يسلّط الضوء على الفراغ الكوني الأسود الذي يلتحم فيه عنصر النور والظلام ، أو من منظار يسلّط الضوء على الليل الأرضي المرتبط بجانب الأرض غير المقابل للشمس) .
(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً . . . ) (آل عمران 41)
(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً {10} (مريم)
إن كلمة ليالٍ هنا بمعنى أيام ، فالليل هنا يرمز لكل عناصر اليوم ضيائه وظلامه ، أي تعني : النهار + الظلام "الليل الأرضي" . وقال في كتابه الكريم :
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً . . . ) (الأعراف 54)
ويغشى الليل النهار ، أي يجعله كالغشاء ، والتغشية والإغشاء إلباس الشيء الشيء ، والغشاء هو الغطاء ، غشيت الشيء إذا غطيته ، واستغشى ثيابه وتغشى بها ، تغطى بها كي لا يُرى ولا يُسمع .
( . . . فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9}(يس)
( . . . وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ . . . ) (البقرة 7)
(يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ . . . ) (العنكبوت 55)
( . . . أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ . . . ) (هود 5)
وهكذا نرى أن الصورة القرآنية (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) تعني أن الليل يُغطّي النهار ويستره ، وذلك بسبب الظلام الملتحم مع النهار . وعند فصل عنصري الليل الكوني (النهار + الظلام) ، يظهر كلّ عنصر لوحده ، فعند رفع الغشاوة "الظلام" عن النهار ، يظهر النهار واضحا جليا .
وحسب ما تقدم يمكن صياغة المعادلة الكونية على الشكل التالي :
الليل الكوني = النهار + الظلام
ل = ن + ظ
ل : الفراغ الكوني الأسود ، الليل الكوني
ن : النهار ، القسم المرئي ، القسم المنير
ظ : الظلام ، القسم المظلم ، غير المرئي
إن هذه المعادلة الكونية تظهر بوضوح في الآية الكريمة الآتية :
(وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ {37}(يس)
السلخ بمعنى الكشط والنزع ، وتستعمل بمعنى الإخراج ، ومعنى الآية الكريمة أنّ سلخ ضياء النهار من الليل يُعطي الظلام .
ل = ن + ظ ـــــــــ ظ = ل - ن
فضوء النهار - قبل سلخه من الليل وحصولنا على الظلام نتيجة لهذا السلخ - كان متداخلا مع الظلام ، ولم نحصل على النهار والظلام إلا بعد تحليل الليل الكوني إلى عنصريه الأساسيين ، وإخراجهما من هذا التداخل . فالليل قبل سلخ النهار منه كان مشتملا على النهار والظلام ، وبعد سلخ النهار بقي الظلام .
لنعد إلى القرآن الكريم ، ولننظر في مجموع ورود كلمات هذه المعادلة الكونية .
لقد ورد مجموع كلمات هذه المعادلة على الشكل التالي :
الليل 73 / ليل 1 (المجموع 74) .
ليلاً 1 / ليلة 5 / ليلها 1 / ليال 3 / ليالي 1
النهار 53 / نهار 1 (المجموع 54)
نهاراً 3
الظلمات 14 / ظلمات 9 (المجموع 23)
أظلم 1 / مظلماً 1 / مظلمون 1 (المجموع 3)
لو نظرنا إلى هذه المسألة من زاويتها العامة ، التي تخص الليل الكوني بشكل عام ، لرأينا أن الكلمات : ليلة ، ليال ، ليالي ، أظلم ومشتقاتها ، لا تدخل في المعادلة الكونية - وفق هذا المنظور - لأننا ننظر إلى هذه المسألة من زاوية الليل الكوني بشكل عام ، بعيدا عن الأرض ، وتحليل هذا الليل الكوني على سطحها . ونرى أن كلمة ليلها تدخل في المعادلة الكونية - وفق هذا المنظور - لأنها تخص السماء بشكل عام .
(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} (النازعات)
ولو عدنا إلى المعادلة الكونية السابقة ، وأدخلنا فيها مجموع الكلمات التي تخص هذه المسألة من هذه الزاوية ، لرأيناها محققة قرآنيا .
ل = الليل (74) + ليلاً (5) + ليلها (1) = 80
ن = النهار (54) + نهاراً (3) = 57
ظ = الظلمات (14) + ظلمات (9) = 23
ل = ن + ظ
80 = (57 + 23) = أيضا 80 .
ولو نظرنا إلى الليل الكوني بعد تحليله على جسم الأرض إلى عنصريه الأساسيين ، لرأينا - وفق هذا المنظور - أن كلمة ليلها لا تدخل بالمعادلة ، لأنها تخص السماء بشكل عام ، وأن كلمة ليلة لا تدخل بالمعادلة ، لأنها تصف اماكن محددة من الأرض لها أزمنتها الخاصة بها ، ولم تشمل هذه الكلمة الليل الأرضي بشكل عام . ونرى أن كلمة أظلم ومشتقاتها تدخل بالمعادلة لأنها تخص الليل الأرضي بعد فصله عن النهار بوساطة جسم الأرض . وبإدخال مجموع الكلمات التي تخص هذه المسألة - وفق هذا المنظور - في المعادلة الكونية ، نرى أن هذه المعادلة محققة قرآنيا .
ل = الليل (74) + ليلاً (5) + ليال (3) + ليالي (1) = 83
ن = النهار (54) + نهاراً (3) = 57
ظ = الظلمات (14) + ظلمات (9) + أظلم ومشتقاتها (3) = 26
ل = ن + ظ
83 = (57 + 26) = أيضا 83 .
ولنفرض أننا أخذنا عينة من هذا الفراغ الكوني المحدد ، الذي تصفه وتسمّيه واحدة الوصف والتسمية (الليل) ، وقمنا بإخضاعه للتجربة ، وتحليله ، لحصلنا على العناصر المعروفة والمحددة التالية :
النهار ، نهاراً ، الظلمات ، أظلم ومشتقاتها
ولو عدنا إلى المعادلة الكونية ، وأدخلنا فيها معطيات ونتائج هذه التجربة ، لوجدنا هذه المعادلة محققة قرآنيا .
ل = الليل (74)
ن = النهار (54) + نهاراً (3) = 57
ظ = الظلمات (14) + أظلم ومشتقاتها (3) = 17
ل = ن + ظ
74 = (57 + 17) = أيضا 74 .
ولو نظرنا إلى الليل الأرضي المعروف لأهل الأرض ، والذي يغطي بشكل دائم نصفاً من الكرة الأرضية ، لرأينا أن الكلمات : ليلاً ، ليلة ، ليال ، ليالي ، هي عتاصره , وأن الظلمات ، واظلم ومشتقاتها ، هي النتائج التي يظهرها - وفق هذا المنظور - على سطح الكرة الأرضية . وبالعودة إلى مجموع هذه الكلمات في القرآن الكريم ، نرى هذا التصور محققاً قرآنياً .
ليلة (8) + ليال (3) + ليالي (1) = 12
ظلمات (9) + أظلم ومشتقاتها (3) = 12

ليلاً (5) + ليلة (8) + ليلها (1) = 14
الظلمات (14) = 14

ليلة (8) + ليلها (1) = 9
ظلمات (9) = 9
ليلاً (5) + ليال (3) + ليالي (1) = 9

ليلاً (5) + ليلها (1) = 6
نهاراً (3) + أظلم ومشتقاتها (3) = 6

ليل (1) = نهار (1) .

وهكذا نرى ان مجموع ورود أي كلمة في القرىن الكريم ، يرتبط ارتباطا وثيقا بالمسألة الكونية التي تسمّيها هذه الكلمة ، وبشكل يختزل أسرار هذه المسألة . وإن عدم إدراكنا لِأسرار مجموع أي كلمة ، ولارتباط هذا المجموع مع مجموع كلمة أخرى أو أكثر عبر القرآن الكريم ، إنما هو نتيجة عدم إدراكنا للمسائل التي تصفها وتسمّيها هذه الكلمات .
ومن هنا ندرك أنه لا يحق لأحد فرض تصورات خاصة على المسائل التي تصفها وتسمّيها الكلمات القرآنية . فهذه الكلمات تصف حقائق وأسرار الكون بشكل مطلق يتناسب مع علم وعظمة المصوّر سبحانه وتعالى .
برهان عددي رائع لكلمتي أيام و ليال : **
لاحظ أخي القارىء الآيتين التاليتين في معرض الحديث عن معجزة سيدنا زكريا عليه السلام ، يقول الله جلّ جلاله :
(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار)ِ {41}آل عمران .
(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا)ً {10} مريم .
يلاحظ أن البيان الإلهي استعمل في الحالتين الرقم 3 ولكن الوحدة لهذا الرقم اختلفت ففي الآية الأولى كانت أيام ، أما في الآية الثانية أصبحت ليال . فهل هناك فرق بين أيام وليال ؟ .
لنحسب قيم الكلمتين : أيام
الترميز الأول : 12+75+12+21 = 129
الترميز الثاني : 52+31+52+46 = 181 +
المجموع : 310
ليال
الترميز الأول : 21+75+12+21 = 129
الترميز الثاني : 49+31+52+49 = 181 +
المجموع : 310
يلاحظ أن قيم أيام وليال متساوية في كل من الترميزين ، والله أعلم أن القرآن الكريم قد تعامل مع الكلمتين على أنهما بنفس المعنى .
والذي يؤكد هذا الرأي هو التالي : يقول الله تعالى :
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ {6} سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة)ٍ {7} الحاقة .
المعروف أن اليوم هو نهار وليلة ، والسؤال الذي يطرح نفسه :
هل توقف العذاب على قوم عاد في فترة السبع ليال ؟ .
الجواب : . . لم يتوقف العذاب والدليل هو قول الله تعالى :
(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ {18} إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ {19} تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِر)ٍ {20} القمر .


  • محمد بلال السلفي
    اكتب تعليقاً...

 
Design by قوالب بلوجر | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codesمحترفى بلوجر