أدلة وجود الله ( 2 ) دليل النظام و الإبداع
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .
أما بعد :
فأدلة وجود الله كثيرة جدا و كل شيء في الكون يدل على وجود الله سبحانه وتعالى، إذ ما من شيء إلا وهو أثر من آثار قدرته سبحانه، وما ثم إلا خالق ومخلوق ، و الله رب كل شيء قال تعالى : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾[1] .
و من أوضح الأدلة على وجود الله و أيسرها فهماً بالنسبة للجميع دليل النظام و الإبداع لأنه يعتمد على ملاحظة ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[2]إذ دليل النظام يقوم على أساس مشاهدة الآثار و الآيات الإلهية في العالم ، و ملاحظة الإنسجام و التناسب القائم بين مخلوقات هذا العالم ، و الإهتداء إلى وجود الله تعالى عن طريق مشاهدة هذا النظام الدقيق البديع السائد في عالم الكون .
هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع الذي لا يمكن أن يضطرب ولا يتصادم ولا يسقط بعضه بعضًا بل هو في غاية ما يكون من النظام﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ﴾[3] فهل يعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالقًا لنفسه ؟
و هناك عشرات الآيات القرآنية التي تهدي إلى وجود الله بدليل النظام فقد قال تعالى : ﴿ ِإنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[4] و هذه الآية مشتملة على ست آيات كونية كل آية برهان ساطع ودليل قاطع على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته، وهي كلها موجبة لعبادته وحده دون من سواه .
الأولى: خلق السموات الأرض وهو خلق عظيم لا يتأتى إلا للقادر الذي لا يعجزه شيء.
الثانية: اختلاف الليل والنهار بتعاقبهما وطول هذا وقصر ذاك.
الثالثة: جريان الفلك -السفن- في البحر على ضخامتها وكبرها وهي تحمل مئات الأطنان من الأرزاق وما ينتفع به الناس في حياتهم.
الرابعة: إنزاله تعالى المطر من السماء لحياة الأرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها.
الخامسة: تصريف الرياح حارة وباردة ملقحة وغير ملقحة، شرقية وغربية وشمالية وجنوبية بحسب حاجة الناس وما تطلبه حياتهم.
السادسة: السحاب المسخر بين السماء والأرض تكوينه وسوقه من بلد إلى آخر ليمطر هنا ولا يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم.
ففي هذه الآيات الست أكبر برهان وأقوى دليل على وجود الله تعالى وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته، وهو لذلك رب العالمين وإله الأولين والآخرين ولا رب غيره، ولا إله سواه إلا أن الذي يجد هذه الأدلة ويراها ماثلة في الآيات المذكورة هو العاقل، أما من لا عقل له؛ لأنه عطل عقله فلم يستعمله في التفكير والفهم والإدراك، واستعمل بدل العقل الهوى فإنه أعمى لا يبصر شيئاَ وأصم لا يسمع شيئاً، وأحمق لا يعقل شيئاً، والعياذ بالله تعالى[5].
يقول د. وهبة الزحيلي : إن في إبداع السموات والأرض، الأولى في ارتفاعها واتساعها، والثانية في انخفاضها وكثافتها وصلاحيتها للحياة، وما فيها من نظام بديع وأفلاك وكواكب ومجرّات، وبحار وجبال وأنهار، وزروع ونبات وأشجار مثمرة وغير مثمرة، ومعادن وثروات، وتعاقب الليل والنهار مع الطول والقصر والاعتدال على مدار العام وبحسب الفصول والموقع، لأدلة دالة على وجود الله وكمال قدرته وعظمته ووحدانيته، بشرط أن يكون من ذوي العقول التامة الناضجة التي تدرك الأشياء بحقائقها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون[6] .
و قال تعالى : ﴿ أفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾[7] و في هذه الآيات الله الدليل على وجوده ووحدانيته وقدرته بما يشاهدونه من آثار القدرة من السماء العالية، والأرض التي يسكنون فيها، والإبل التي ينتفعون بها في نقل الأحمال والانتفاع بلحومها وأوبارها وألبانها، والجبال الراسيات التي ترشد السالكين، فيستدلون بذلك على قدرته تعالى على بعث الأجساد والمعاد وصحة عقيدة التوحيد[8] .
يقول الحجازي في صدد هذه الآيات : أنسوا – أي الكفار - فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت إنها خلقت على شكل بديع يدل على أن خالقها عليم بها بصير، أرأيت إلى عنقها وطوله وإلى خفها وحافرها كيف أعد للسير في الصحراء وإلى معدتها وكيف وضعت على شكل يسهل معه حفظ الماء أياما، أو لم ينظروا إلى السماء وما فيها كيف رفعت وعلقت في الهواء مع سرعة دورانها وشدة تجاذبها، أو لم ينظروا إلى الجبال كيف نصبت كالأعلام يهتدى بها السارى، ويلجأ إليها الخائف، ويقصدها المتنزه والمصطاف، أو لم ينظروا إلى الأرض كيف سطحت وبسطت، ومهدت للعيش عليها، أما جمع الإبل والسماء والجبال والأرض في سلك واحد فتلك هي أهم المرئيات عند العربي المخاطب بالقرآن الكريم ألا يدل ذلك كله على أنه قادر على كل شيء[9] .
و الآيات القرآنية المتعرضة لبيان آثار اللّه تعالى في عالم الخلق إن كانت تهدف إلى إثبات وجود الخالق ، فهي في الحقيقة إنّما تعتمد على دليل النظم فإذا كانت ورقة من أوراق الشجرة ، أو ذرة من ذرات العالم ، دليلاً على حكمة اللّه تعالى و برهاناً على إرادته ، فهي من باب أولى دليل على وجوده إذ الوجود مقدّم على الصفات ، فما دلّ على الصفات فهو بالأحرى دال على الوجود .
و يمكن توضيح دليل النظام الدال على وجود الله من خلال الخطوات التالية:
أوّلاً : الصياغة المنطقية :
الصياغة المنطقية لهذا الدليل هي
- هذا العالم منظَّم.
- و كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم.
- إذن : هذا العالم يحتاج إلى منظِّم .
ثانياً: مفهوم النظام :
مفهوم النظام من المفاهيم الواضحة في ذهن الإنسان، ومن خصائص النظام أنه يتحقق بين أمور مختلفة سواء كانت أجزاء لمركب، أو أفراداً من ماهية واحدة، أو ماهيات مختلفة. فهناك ترابط وتناسق بين الأجزاء، أو توازن وانسجام بين الأفراد يؤدي إلى هدف وغاية مخصوصة، هي وجود الشيء على ما هو عليه من النظام الهادف.
ثالثاً: كيفيّة الإستدلال بالنظام :
يتألّف دليل النظام من مقدمتين: إحداهما حسيّة و هي :هذا العالم منظَّم ، و الأخرى عقلية و هي : كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم ، و إذا تمّت المقدمتان يثبت المطلوب ، و هو : هذا العالم يحتاج إلى منظِّم .
- إثبات المقدمة الأولى هذا العالم منظَّم :
لا شك في أن هناك نظام سائد في الظواهر الطبيعية التي يعرفها الإنسان إمّا بالمشاهدة الحسيّة الظاهرية وإمّا بفضل الأدوات والطرق العلميّة التجريبية. ومن هنا فإن للعلوم الطبيعية دور واسع في هذا الدليل. وفيما يلي إشارات سريعة على بعض النماذج النظامية:
المنظومة الشمسية
إنّ من أهم ما يلفت النظر في المنظومة الشمسيّة هو المسافات الدقيقة التي تفصل الشمس عن الكواكب التابعة لها. والحركات المنتظمة لهذه الشمس والكواكب وما يتولد عن ذلك، أو يترتب عليه من الأحوال اللازمة كالفصول والليل والنهار و ما شابه ذلك.
عالم النبات :
إنّ النظر إلى النباتات يهدينا إلى أنّ هذا النوع من الكائنات عالم عجيب تحكمه المعادلات الدقيقة ونجد من عجيب التركيب هذه الأمور والأسرار العجيبة في عالم النباتات إلى ظهور علوم مختلفة مثل علوم تركيب النبات وشكله، وعملية التخليق الضوئي و.. إلخ.
خلق الإنسان :
لو قلنا بأنّ الإنسان من أعجب الكائنات وأكثرها إثارة للدهشة لم نكن في ذلك مبالغين، وذلك لأننا نجد في هذا الكائن كل ما تفرق في المخلوقات مضافاً إلى أجهزة معقّدة أخرى.
و من الأجهزة المعقّدة التي تثير الدهشة لكثرة ما فيها من عجائب وأسرار وأنظمة وقوانين: عالم الخلايا، جهاز الهضم، جهاز الدورة الدموية ، جهاز التنفس، جهاز المخّ، ولعلّ أكثر أقسام الجسم البشري تعقيداً ونظاماً هو "المخ" بإعتباره مركز القيادة والأعصاب التي هي وسيلة اتصال المخ بالجسم و بالعكس .
وعليه، فإن المقدمة الأولى في دليل النظام ثابتة بالمشاهدة الحسيّة الظاهرية،أو من خلال الأدوات والطرق العلميّة التجريبية. ولهذا ذكرنا في خصائص هذا النوع من الأدلة أنها تستند إلى مقدمات حسيّة تجريبية.
- إثبات المقدمة الثانية :كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم :
إنّ العقل بعدما لاحظ النظام وما يقوم عليه من دقة وروعة في التقدير والتوازن والإنسجام، يحكم بالبداهة بأن أمراً هكذا شأنه يمتنع صدوره إلا عن فاعل قادر عليم ذي إرادة وقصد، ويستحيل أن يتحقق ذلك صدفة و تبعاً لحركات فوضوية للمادة العمياء الصمّاء، فإنّ تصوّر مفهوم النظام، وأنه ملازم للحساب الدقيق و العلم ، يكفي في التصديق بأن النظام لا ينفك عن وجود منظِّم عالِم أوجده ، و حُكم العقل بذلك من البديهيات .
وعليه وجود النظام في الكون والحياة لا بد أن يكشف عن وجود المنظّم ، و ذلك بمقتضى حساب الإحتمالات الذي يرفض إعتبار الصدفة سببا لوجود النظام في الكون ، فالشخص الأمي إذا أراد أن يكتب مقالة بسيطة أو شعرا بمجرد الضغط عشوائيا على مفاتيح الآلة الكاتبة بصورة عفوية وتصادفية ، فإن ذلك بحساب الإحتمالات يستغرق بلايين السنين بحيث لا يكفي حتى عمر الكرة الأرضية لإنجاز ذلك. هذا إذا تصورنا ما تحتاجه مجرد مقالة بسيطة لتظهر صدفة فكيف بهذا الكون الرحب والواسع والمعقد في تكوينه تعقيداً بالغاً ؟!
وعليه، فإن المقدمة الثانية في دليل النظام عقلية بديهية لا تحتاج إلى الدليل والبيان، وهي ترتكز في صميمها إلى قانون العليّة الثابت بحكم العقل البديهي.
- النتيجة :
بما أن العالم منظَّم بحسب المشاهدات الحسية والوقائع التجريبية، وبما أن كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم بالبداهة العقلية، إذن فالعالم يحتاج إلى الخالق المنظِّم، و بذلك يثبت المطلوب وهو وجود الله سبحانه و تعالى .
سبحان ربي إنك إذا نظرت إلى السماء وجدت فيها نظاماً كونياً عظيماً ، بحيث لو اختلّ هذا النظام لحظة واحدة لتحطمت الأجرام السماوية و لاصطدمت بعضها ببعض و الهواء الذي نستنشقه فيه من النظام الشيء الكثير بحيث لو زادت نسبة الأوكسجين فيه أو نقصت لهلك البشر ، كما أن الماء الذي نشربه فيه من النظام العجيب بحيث لو اختلفت مركّباته لما وجد هذا الماء و هكذا في كل شيء تجده في هذا العالم سواء كان في السماء أو في الأرض وحتّى هذا الإنسان الذي يجري على سطح الكرة الارضية إذا وضعت يدك على عينه وجدت النظام الرائع فيها وإذا وضعت يدك على أنفه أو معدته أو أذنه أو دورته الدموية أو قلبه أو كبده ... إلخ لوجدت النظام العجيب فيه . و هذا النبات الذي نأكله واللحوم والأنهار والبحار والمحيطات كلها محتوية على نظام عجيب .
أفلا يدل هذا النظام على وجود خالق منظّم ؟ !
سبحان ربي إننا إذا وجدنا ساعة ملقاه فى صحراء ، محكمة الصنع ، لها عقرب لبيان الساعات و عقرب للدقائق و عقرب للثوانى ، ومفتاح لملئها إذا فرغت ، و علامه للتقديم و التأخير ، ومحركات و قطع دقيقة تؤدى كل منها الغرض المطلوب و غطاء لوقايتها يفتح و يغلق حسب الحاجة فهل يعقل أن هذه الساعة صنعت نفسها من غير عقل ولا فكر ، أو صنعها أحد الجاهلين بصنع الساعات ؟ و ليس من المعقول أن الساعة صنعت نفسها ولا يمكن أن يسلم العقل أن أحد الجاهلين بصنع الساعات هو الذى صنعها و أي ساعة اضبط من الشمس تلك الساعه العظمى المحكمة التى تحدد الزمن بدقة ، وقد صار لها ملايين السنين ، و لم تختل عن سيرها .
شبهات حول دليل النظام و دحضها :
يقول الملاحدة إن الدليل في برهان النظم أعم من المدعى لأن الناظم قد يكون فاعل طبيعي و ليس فاعل بالعلم و الجواب أن وجود النظام يستلزم وجود كائن ذي علم و إرادة قد نظمه و هو الله لا الطبيعة غير العاقلة و غير العالمة و غير الحكيمة و الطبيعة من جهة ذاتها لا علم لها فلا يصح أن تكون هي العلة المنظمة .
و إن قال الملاحدة الاستدلال بدليل النظام قائم على التشابه بين الكائنات الطبيعية و المصنوعات البشرية فلأننا شاهدنا أن جميع المصنوعات البشرية لا تخلو من صانع ، فلا بد أن يكون للكون المنظَّم من صانع خالق ، و هذا التشابه بمجرده لا يكفي لسحب و تعْدِيَة حكم أحدهما إلى الآخر لاختلافهما ، فإن مصنوعات البشر موجودات صناعية ، بينما الكون موجود طبيعي .
و الجواب أن العقل المدُقّق في حقيقة النظم و المتتبع لعلته ، سيحكم فورا بأن مصدر النظام هو خالق حكيم عالم قد أوجد الأجزاء المختلفة كمّا وكيفا ، ورتبها ونسقها بحيث يمكن أن تتفاعل في ما بينها ، وتتعاون لتحقيق الهدف المطلوب والغاية المقصودة من إيجادها وهذا الحكم الذي يصدر عن العقل لا يستند إلى شيء سوى إلى ماهية النظام وطبيعته الرافضة للتحقق بلا فاعل عالم ومدبر، ولا يستند إلى التشابه ، ولا إلى التجربة كما زعموا فبرهان النظم قائم على إدراك الحس بوجود النظام في الكون بملاحظة العقل للنَّظم و التناسق و الانضباط بين أَجزاء الوجود أي ملاحظة نفس ماهية النظام من دون تنظيرها بشيء ، فيحكم بما هو هو، من دون دخالة لأَية تجربة و مشابهة ، بأَنَّ موجد النَّظم لا محالة يكون موجوداً حكيما قديرا .
و برهان النظام قائم أيضا على البديهة العقلية القاضية بأن النظام لا يكون إلا من منظم ذي إرادة و قدرة وحكمة و ما ذكروه من أن هذا مصنوع ، و هذا طبيعي لا يلغي وجود النظام في كليهما ، و لا يلغي البديهة العقلية القاضية بوجود منظم للكون .
و الفارق الذي ذكروه بين الأحداث التي تكون في الطبيعة و التي يفعلها الانسان غير مؤثر إذ لا فارق بين الأحداث التي تكون في الطبيعة و التي يفعلها الانسان من حيث السبب و العلة .
و إن قال الملاحدة لا يمكن الحكم على الكون أنه منتظم فهل لدينا كون آخر يمكن مقارنته بهذا الكون حتى يمكننا القول بأن كوننا منظم و الجواب لا يشترط في القول بأن الكون منتظم وجود كون آخر يقارن بكوننا ، فوصف أي شيء بصفة لا يستلزم وجود مماثل له لكي يوصف و الشيء يوصف عن طريق رؤيته بالبصر أو الاحساس به عن طريق الحواس الأخرى أو رؤية الشبيه بالبصر أو الاحساس بالشبيه عن طريق الحواس الأخرى .
و لعل الملاحدة خلطوا بين وصف الشيء و مقارنة الشيء بغيره فالمقارنة تحتاج وجود شيء آخر يقارن بالشيء مثل فلان جميل هذا وصف و عند مقارنة فلان بغيره تقول فلان أجمل من فلان و هذا الشيء منظم و هذا الشيء أكثر نظاما من هذا الشيء .
و إن قال الملاحدة لو كان هناك كيان صمم هذا النظام فهذا يعني أن هذا الكيان بنفس الفرض هو محكم ومعقد أكثر من الكون فمن أين أتى هذا الكيان ؟ و الجواب أن القول بوجود منظم للكون لا يفرض وجود سبب لهذا المنظم ؛ لأن الذي نظم الكون هو الخالق و الخالق ليس كالمخلوق و لا يصح أن يُقاس القديم الأزلي الذي لا أول لهعلى الحادثالذي له أول و هل يوجد لله شبيه حتى نشبه الله به و الله ليس له شبيه .
و إن قال الملاحدة لا يصح أن يقال أن الكون منظم لوجود الفوضى في الكون و الجواب هذه الظواهر التي يدعون أنها فوضوية لا تلغي وجود نظام في الكون فكم يوجد في الكون من أشياء منظمة منسقة حتى أبهرت علماء الفيزياء و الأحياء و الكيمياء و الفلك و الجولوجيا و غيرهم .
و الفوضى تستلزم عدم وجود أنظمة و قوانين تحكم هذه الظواهر الفوضوية و إمكان استنتاج قوانين عامة تحكم هذه الأمور يدل على انتظامها و ليس على عدم انتظامها ، و لا يوجد شيء في الكون في الغالب لا يخضع لقوانين ،و ما لم يتم معرفة قوانينه فهذا لقصور العلم في الوقت الحالي و مع مرور الزمن سيكشف لنا العلم وجود نظام لهذه الظواهر .
و ما دامت الفوضى تخضع لقوانين فليست فوضى ، و لكن نظام مرتب لم يتم الكشف عن ماهيته الحقيقية ، و هل وجود ظواهر فوضوية في الكون كما يدعون ينفى وجود موجد لها ؟!!
و النظام هو السائد في الكون بدليل إمكان العلماء من وضع قوانيين للظواهر الفيزيائية و الطبيعية فلو كانت الفوضى هي السائدة لما تمكن العلماء من وضع قوانيين تحكم الكون .
و إذا وجد الإنسان كومةً من تراب قد أُلقيت إلى جنب الطريق، فينظر إليها على أنّها أمرٌ حادثٌ ـ لم يكن من قبل ـ ممّا يكشف عن موجدٍ لها مع عدم وجود نظم فيها فكيف بهذا الكون المنظم ؟!!
هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
[1] - الأنعام من الآية 164
[2] - النمل من الآية 88
[3] - يس من الآية 40
[4] - البقرة الآية 164
[5] - أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 1/141
[6] - التفسير المنير 4/207
[7] - الغاشية الآيات 17 - 20
[8] - التفسير المنير للزحيلي 30/2147
[9] - التفسير الواضح للحجازي 3/858
__________________